إسرائيل واليونيفيل- تعديل القرار 1701 فرصة لتغيير الوضع في لبنان

المؤلف: د. حياة الحريري08.10.2025
إسرائيل واليونيفيل- تعديل القرار 1701 فرصة لتغيير الوضع في لبنان

في عام 2018، أقدمت إسرائيل على إطلاق عملية "درع الشمال"، معلنةً أن هدفها الأساسي هو اكتشاف وتدمير شبكة الأنفاق التي حفرها حزب الله في جنوب لبنان، والتي كانت تمتد، وفقًا لادعاءات الاحتلال، إلى مناطق مختلفة في الجليل، من المطلة وصولًا إلى رأس الناقورة، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في ذلك الوقت، زعمت قوات الاحتلال أنها تمكنت بنجاح من إفشال ما وصفته بـ"مخطط غزو الجليل"، وهي عبارة عن خطة سرية كان حزب الله يعدّ لها بهدف مفاجأة إسرائيل، تقوم على التسلل إلى منطقة الجليل عبر هذه الأنفاق السرية التي قام الحزب بإنشائها، والتي تركزت بشكل رئيسي، وفقًا للمزاعم الإسرائيلية، في بلدات كفركلا وراميا وعيتا الشعب. وادعت إسرائيل أن هذا الأمر كان سيمكّن حزب الله من شن هجمات خاطفة، واختطاف جنود، مدعومًا بقوته الصاروخية التي تعتبرها إسرائيل "الخطر الأكبر" الذي يهدد أمنها.

تحت ستار الدفاع عن النفس، أكدت إسرائيل أنها ماضية قدمًا في تنفيذ ما وصفتها بـ"الجهود الدفاعية الواسعة النطاق" على طول الحدود، مستخدمة في ذلك جميع الوسائل الحربية العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية المتاحة.

آنذاك، اعتبرت إسرائيل أنها قد برهنت على تفوقها العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي على حزب الله من خلال هذه العملية العسكرية. وعلى الرغم من أنها قللت من الأهمية الاستراتيجية للأنفاق في أي حرب مستقبلية، إلا أنها حرصت بشدة على استغلال ما اعتبرته "إنجازًا" لتقويض صورة النصر التي يسعى حزب الله إلى ترسيخها منذ عام 2006، والسعي إلى تحقيق مكاسب جمة من خلال استغلال ما وصفته بأنه تهديد حزب الله لأمن مستوطناتها، وذلك بهدف تغيير الوضع الراهن على المستوى الدبلوماسي، وهو ما يتجسد في خمسة أهداف رئيسية:

  1. الحصول على غطاء دولي لشن اعتداءات متواصلة على الأراضي اللبنانية، في أي وقت تشاء، وذلك من خلال التذرع بأن هذه الاعتداءات هي "دفاعية" تهدف إلى حماية حدودها ومستوطناتها الشمالية.
  2. اكتساب شرعية دولية في تحميل الدولة اللبنانية بأكملها مسؤولية أي عمليات ينفذها حزب الله، وبالتالي تبرير استهداف جميع المناطق اللبنانية في أي مواجهة مستقبلية.
  3. إلغاء التمييز الذي تتبناه بعض الدول الغربية بين الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله، بهدف تجريم الحزب بشكل كامل.
  4. تغيير أو تعديل مهام وطبيعة عمل قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، وذلك بسبب الاتهامات المتكررة الموجهة إليها بالفشل في منع النشاط العسكري لحزب الله على طول الحدود.
  5. تغيير الوضع القائم في منطقة الجنوب اللبناني، وفرض واقع جديد يخدم مصالح إسرائيل.

إسرائيل واليونيفيل: علاقة ملتبسة منذ 1978

في عام 1978، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا طالب فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الفوري والكامل من الأراضي اللبنانية، وأعلن عن إنشاء ونشر قوات حفظ السلام الدولية، المعروفة باسم اليونيفيل، بهدف التحقق من الانسحاب الإسرائيلي، واستعادة الأمن والاستقرار، وتقديم المساعدة للحكومة اللبنانية في بسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، بناءً على طلبها الرسمي، وذلك استنادًا إلى القرارين رقم 425 و426.

منذ ذلك الحين، أعربت قوات الاحتلال الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا عن معارضتها الشديدة لدور قوات اليونيفيل، وحاولت في مناسبات عديدة ممارسة الضغوط عليها عسكريًا وأمنيًا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الميليشيات اللبنانية العميلة لها، والتي كانت تُعرف باسم "جيش لبنان الجنوبي" أو "جيش لحد"، وهي عبارة عن مجموعة من العملاء المحليين الذين كانوا يعملون تحت قيادة العميلين أنطوان لحد وسعد حداد.

ولعل تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، شيمون بيريز، في عام 1986 خلال زيارة رسمية له إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يلخص بشكل واضح الرفض الإسرائيلي لوجود قوات اليونيفيل، حيث قال: "في الوقت الراهن، لا يمكننا التوصل إلى أي اتفاق مع قوات اليونيفيل".

في تلك الفترة، كان المسؤولون في قوات اليونيفيل يرفعون باستمرار تقارير وشكاوى ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ويحذرون من عدم توفر الظروف المواتية لعملهم، ويطالبون بتزويدهم بالمعدات والتجهيزات اللازمة للدفاع عن أنفسهم، وإلا فإنهم سيخسرون مصداقيتهم وشرعية وجودهم في المنطقة.

كما اتهموا إسرائيل بأنها تسعى، من خلال استهدافها المستمر لهم، إلى تغيير طبيعة المهام الموكلة إلى قوات اليونيفيل، وتحويلها من قوة لحفظ السلام إلى ما يمكن اعتباره قوة ذات مهام عسكرية تنفيذية، وذلك بالطبع بهدف ضمان الأمن الإسرائيلي على حساب الأمن والاستقرار في لبنان.

وجدت قوات الطوارئ الدولية نفسها في ثمانينيات القرن الماضي عالقة بين نارين، الإسرائيليين من جهة، وتصاعد العمليات العسكرية التي بدأ حزب الله بتنفيذها بشكل مباشر بعد الإعلان عن انطلاقته في عام 1985.

هنا، رأت إسرائيل فرصة سانحة لتغيير الوضع القائم، وذلك من خلال اتهام قوات اليونيفيل بالتقصير والفشل في حماية وضمان أمن حدودها الشمالية، وتقدمت باقتراح يقضي بإنشاء تحالف دولي لتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتشكيل وحدات متخصصة مكلفة بمهام أوسع نطاقًا في جنوب لبنان.

في المقابل، رأى المسؤولون في قوات الطوارئ الدولية أن الحل الأمثل لعودة الهدوء والاستقرار إلى الجنوب اللبناني، وتعزيز تقبل وجود اليونيفيل في المجتمع اللبناني، يكمن في التطبيق الكامل للقرار الدولي الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة.

مع التحرير في عام 2000، ولاحقًا حرب يوليو/تموز في عام 2006، وإصدار القرار رقم 1701، قامت قوات اليونيفيل بزيادة حجم قواتها وتجهيزاتها، كما تمتعت بهامش أوسع في تطبيق مهامها بالتنسيق مع الجيش اللبناني. ومع ذلك، كانت السلطات الإسرائيلية السياسية والأمنية ترى أن اليونيفيل لا تزال "متقاعسة وسلبية"، وأن صلاحياتها ظلت محدودة بفعل الواقع السياسي اللبناني الذي يجب تغييره.

تغيير الوضع الحالي: فرصة إسرائيل المنتظرة

بعد مرور أكثر من شهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية الموسعة على لبنان، لا تزال إسرائيل تزعم أنها نجحت في تحقيق معظم أهدافها العسكرية، وأنها أثبتت مرة أخرى تفوقها العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي على حزب الله.

هنا، نعود بالذاكرة إلى عام 2018، أي إلى عملية "درع الشمال" وما أعقبها في السنوات اللاحقة من تحضيرات عسكرية واستخباراتية استعدادًا للحظة المواجهة الكبرى. فمعظم التقارير الأمنية والسياسية الإسرائيلية التي صدرت في السنوات القليلة الماضية كانت تشير بوضوح إلى أنه وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي يسود الجبهة مع لبنان، فإن جميع الظروف تنذر باحتمال اندلاع حرب ضروس مع حزب الله؛ وذلك بسبب جملة من العوامل المتداخلة التي لا تقتصر على الواقع العسكري المعقد بين الطرفين، والذي وصل إلى ذروة الردع الحذر الذي ينذر بالانزلاق في أي لحظة، بل تتعداه إلى عوامل أخرى تتعلق بميزان القوى الإقليمي، لا سيما الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى التداعيات الخطيرة للمواجهة المستمرة في سوريا بين حزب الله وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

من هذا المنطلق، وإذا ما أردنا ربط عملية درع الشمال في عام 2018 وما تلاها وصولًا إلى الحرب الدائرة رحاها اليوم، يمكننا أن نفهم السياق الحقيقي للتصريحات الإسرائيلية المتكررة التي تهدف إلى تثبيت معادلة جديدة تناسب إسرائيل في الميدان وفي المحافل السياسية، وذلك عبر التأكيد المستمر على أن العمليات العسكرية التي تنفذها ضد لبنان في هذه الحرب هي عمليات معدة ومخطط لها مسبقًا منذ سنوات، وتعكس التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي والعسكري الذي تتمتع به، سواء في استهداف شبكات الاتصال الخاصة بحزب الله، أو في اغتيال قادته الميدانيين، أو في تدمير أنفاق الحزب، وهو ما تعتبره ضربة قاصمة للبنية العسكرية لحزب الله، وصولًا إلى عملية الإنزال الأخيرة التي نفذتها قواتها في شمال لبنان والتي يرجح أنها لن تكون العملية الوحيدة.

تشير المواقف الدولية التي واكبت الحرب الحالية على لبنان إلى أن إسرائيل قد نجحت إلى حد ما في مسعاها الدؤوب الذي بدأته منذ سنوات للحصول على دعم دولي، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا، لعملياتها العسكرية التي ما تزال تعتبرها موجهة ضد حزب الله فقط في لبنان، وذلك من خلال الحصول على غطاء سياسي وشرعية دولية لشن اعتداءاتها المتواصلة تحت ذريعة "الدفاع عن النفس" ضد عمليات حزب الله التي تصفها بأنها "مدمرة وتهدد استقرار كل من إسرائيل ولبنان".

في هذا السياق، تواصل إسرائيل اليوم حربها على لبنان بهدف تحقيق مكاسب جمة فشلت في الحصول عليها في السابق، وتحديدًا فيما يتعلق بتعديل القرار رقم 1701، وتغيير مهام قوات اليونيفيل بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو على الأقل وضع صيغة جديدة للقرار بدعم وإشراف مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.

العلاقة مع اليونيفيل: الضغط السياسي والناري

منذ بداية الحرب، كثف المسؤولون الإسرائيليون من حدة انتقاداتهم اللاذعة لعمل قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، متهمين إياها، للمفارقة، بالفشل الذريع في تطبيق أحكام القرار رقم 1701. وكما كان الحال في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يحاول الإسرائيليون توجيه رسائل واضحة حول رفضهم القاطع لطبيعة وجود ودور قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، وذلك من خلال ممارسة الضغوط السياسية المكثفة أو استخدام القوة النارية من خلال الاستهداف المباشر لقواتها.

ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قد حذر، من خلال تقارير استخباراتية عديدة، قوات اليونيفيل من الخطر المحدق الذي قد يسببه اندلاع حرب واسعة النطاق في لبنان على وجودها، زاعمًا أن الأخيرة "سوف تجد نفسها في خضم حرب مدمرة وفتّاكة، الأمر الذي سيكشف للعالم أجمع فشلها الذريع وعدم مصداقية عملها في تطبيق القرار رقم 1701 من جهة، كما أنها ستخسر عددًا كبيرًا من جنودها الأبرياء، وذلك لأنها تتواجد في واحدة من أكثر المناطق كثافة بالصواريخ".

سرعان ما طبّق الاحتلال تهديداته المبطنة لقوات اليونيفيل على أرض الواقع عبر استهدافها بشكل متكرر وممنهج، إلا أن محاولاته لإرغام قوات اليونيفيل على الانسحاب من جنوب لبنان قوبلت برفض قاطع من قبل معظم الدول الأوروبية المساهمة بقوات في هذه البعثة الأممية. وعلى الأثر، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بممارسة ضغوط سياسية هائلة لتغيير الوضع القائم، بحيث يجدد في كل خطاب يلقيه مطالبته الملحة بوضع صيغة جديدة للقرار رقم 1701 تضمن تنفيذه بشكل كامل وفعال.

غير أن "الصيغة الجديدة" التي يتحدث عنها نتنياهو ما هي إلا التغييرات الجوهرية نفسها التي يسعى إلى إدخالها على القرار رقم 1701، وعلى شكل ودور قوات اليونيفيل منذ بداية الحرب، ولكن بصيغة دبلوماسية مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.

رؤية إسرائيل لتطوير القرار 1701

يرى الإسرائيليون أن فشل اليونيفيل في تحقيق أهدافها في لبنان يعود بالدرجة الأولى إلى المشكلة الجوهرية الكامنة في القرار رقم 1701، أو ما يصفونه بـ"الأسس الهشة التي بني عليها القرار"، أي إقراره استنادًا إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على التسوية السلمية للنزاعات، وليس استنادًا إلى الفصل السابع الذي يدعو إلى "مواجهة التهديدات للسلام والانتهاكات بالقوة".

وعلى الرغم من كل الخلافات والانقسامات الداخلية الإسرائيلية العميقة حول طريقة إدارة الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن نتنياهو يتمتع بدعم واسع نسبيًا في حربه الشعواء على لبنان، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا بإجماع سياسي وشعبي حول مطلبه بضرورة تطوير القرار رقم 1701 دون إلغائه (كونه يتمتع بإجماع دولي ولبناني)، أي إدخال تعديلات جوهرية أو بنود إضافية تحت عنوان "صيغة معينة وإجراءات إضافية لتطبيقه".

وتحت هذا العنوان الفضفاض، قد تلجأ سلطات الاحتلال إلى ممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية هائلة لتشكيل لجنة أو فرقة مستقلة بمهام تنفيذية ذات صلاحيات واسعة بدعم وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان "ضمان التنفيذ الفعال للقرار رقم 1701"، وهو ما يعني في جوهره تطبيق المخطط الإسرائيلي الشامل بغطاء قانوني ودبلوماسي.

أيضًا، ترى إسرائيل أنه لا يجب تغيير الدور العسكري لليونيفيل فحسب، بل يجب أيضًا تغيير الواقع الاجتماعي والأمني الذي نجحت قوات الطوارئ الدولية في تكريسه على مدى عقود من الزمن. فقد عملت القوات العاملة في اليونيفيل على الاندماج في المجتمع اللبناني بشكل عام والجنوبي بشكل خاص من خلال تنظيم نشاطات متنوعة ثقافية وتربوية واجتماعية، بالإضافة إلى فتح المجال أمام المواطنين اللبنانيين للعمل في صفوفها في المناصب الإدارية المختلفة.

لذلك، تطالب إسرائيل في أي تسوية مقبلة بتقليص عدد اللبنانيين العاملين في الأمم المتحدة، وتقليص عدد المشاريع التي تمولها الأمم المتحدة في جنوب لبنان، كونها بحسب ادعاءات الاحتلال "تساهم بشكل مباشر في مساعدة المجتمع الذي يؤيد حزب الله".

على الرغم من النشوة التي تعيشها إسرائيل وتوجه قيادتها السياسية نحو الاستمرار في الحرب، لاعتقادها بأنها تنجح في تحقيق إنجازات عسكرية تكتيكية، فإنه ثمّة رأي آخر يتبلور ويتزايد في الآونة الأخيرة يدعو إلى تطبيق مبدأ "نقطة الذروة الإستراتيجية" لضمان التوصل إلى حل أمني طويل الأمد، وذلك من خلال الانتقال من العمل العسكري، والاستفادة القصوى من لحظة الإجماع الدولي السياسي غير المعلن لحربها في لبنان، إلى التسوية السياسية والدبلوماسية عبر فرض شروطها المجحفة لوقف إطلاق النار، أي إدخال تعديلات جوهرية على القرار رقم 1701، وتغيير دور قوات اليونيفيل، وإنشاء منطقة عازلة تحت مسميات مختلفة.

فهل ستنجح إسرائيل في نهاية المطاف في تغيير الوضع القائم على الجبهة مع لبنان في التسوية المرتقبة؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة